top of page
  • Israa Kazem

الفن التوليدي والـذكاء الاصطناعي: النظرية التعقيدية كمدخل فكري


مصدر الصورة: نور احمد


تعتبر النظرية التعقيدية (Complexity theory) هي مدخل العلم في القرن الحادي والعشرين لإيجاد إطار له القدرة على تفسير كل السمات والقوانين والتعقيدات التي يقوم بها بناء هذا العالم، من أدق وأصغر الجزئيات والخلايا، إلى أكبرها.


وتعد العلوم الأساسية مثل الكيمياء والفيزياء والعلوم البيولوجية والرياضيات والإحصاء من أهم العلوم التى تنهض بمنظومة المجتمع. ازدهرت طرقُ تفكير جديدة في مجال الرياضيات العائدة للنظرية التعقيدية، استمرت في النمو والتطور بسرعة في اتجاهات عديدة، بكلِّ ما تحمله إمكانات التطبيق على مدى واسع ومتنوع من الظواهر، تمثل المفاهيم والأدوات التى تمكِّننا من رؤية العالم بشكل مختلف جذريًّا وفهم قواه المحرِّكة وتنظيمه الذاتي وتطوره.


ويشمل مصطلح الأنظمة المعقدة نهج البحوث في العديد من التخصصات المتنوعة بما في ذلك علم الإنسان، الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence)، الحياة الاصطناعية (Artificial Life)، الكيمياء، علوم الكمبيوتر، الاقتصاد، الاحتساب التطوري، رصد الزلازل، الأرصاد الجوية، البيولوجيا الجزيئية، علم الأعصاب، الفيزياء، علم النفس وعلم الاجتماع.





شكل (1) يوضح العلاقة بين النظرية التعقيدية والعلوم الكلاسيكية والمجالات الأخرى.


بسبب الثورة العلمية التي لاحقتها النظرية التعقدية، شهدت منظومة العلم الحديث هذه تحوّل يكمن في سؤال: كيف تبدي المنظومات التي تحكمها قوانين محكمة (حتمية) سلوكاً معقداً يصعب التنبؤ به؟


وقادت محاولات الرد إلى تأصيل المفاهيم الجديدة (وهي التي تفصل بين الحتمية والتنبؤية)، والتوقف عند الشروط الإبتدائية، العلاقات الخطية، حافة الفوضى، الصفات المستجدة أو البازغة، انبثاق الإنتظام من الفوضى أو الانتظام الذاتي.


ثم جاءت النظرية التعقدية للإجابة بأنها النظرية التى نظمت بعض الظروف والعوامل المماثلة (الناس والمنظمات والجزيئات والأفكار، إلخ) التي تفاعلت مع بعضها البعض ومع النظام، لإحداث تغيير ناشئ (Emergent). يمكن أن يكون التغيير طريقة للخروج من نسبة المُدخلات، وكان الناتج كله أكثر من مجموع الأجزاء في نظام التكيف المعقد (Complex Adaptive System).


إن أبستمولوجيا التعقيدية المركبة الذى طرحه إدجار موران [١] قادر على أن يمثل الوجه الجديد للعالم، الذى هو أساسا عالم مُركب ودينامي وصدفوي ومتنوع ومتحول ولانهائي [٢].


هنا يمكننا ان نعتبر النظرية التعقيدية نموذج فكري جديد للفنون والإنسانيات، حيث يقول فيليب جالانتر: "كانت الفنون شريكا كاملاً في الحداثة، ولازالت كذلك في مجال العلوم ولكنها الآن مرتبطة في المقام الأول بالأطروحات المناقضة للحداثة وثقافة الإنسانيات في ما بعد الحداثة ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الحداثة وما بعد الحداثة على تناقض إلا أن الفن التوليدي المرتكز على التعقيد يمكن أن يقترح توفيقية أو توليفة تستوعبهما معاًـ تسقط التعقيدية رؤية وموقف العلوم المعقدة من العالم على فضاءات الفنون والإنسانيات. وهي بذلك تقدم توفيقية تناسب ما بعد الالفية وتستوعب الاهتمامات والنشاطات والمواقف الحداثية وما بعد الحداثية في بوتقة واحدة، يعد الفن التوليدي مظهرها الأبرز" [٣] .


ويعتبر الفن توليدي (Generative art) شكل من أشكال الفن المستوحاة من الطبيعة والتعقيد، والاستفادة من تقنيات الحياة الاصطناعية [٤] مثل الخوارزميات التطورية والنمذجة، وتتناول التطور والتعقيد والحياة الاصطناعية. ولقد استمد الفن التوليدى النظم من خلال عدة اتجاهات فنية مثل الفن التطويري والفن الوراثي والفن العضوي:


يشير الفن التوليدي إلى الفن الذي كلياً أو جزئياً تم إنشاؤه باستخدام نظام مستقل، عادة يعتمد على جهاز حاسوبي، لتوليد أعمال فنية يتم تحديدها حسابياً، وتحديد ملامحها بناءً على قرارات يتخذها الفنان مباشرة. لكن في بعض الحالات، يلجأ النظام التوليدي إلى تمثيل فكرة فنية خاصة به، ويوظف الفن توليدي استخدام نظم الكيمياء، والبيولوجيا، والميكانيكا، والروبوتات، التوزيع العشوائي اليدوي، والرياضيات، والبيانات ورسم الخرائط، والتماثل، وأكثر من ذلك. ويستكشف العديد من الفنانين النظم القائمة على القواعد التوليدية في السنوات الأخيرة على المزيد من التطبيقات العملية في شكل "تصوّر للبيانات" (Data visualization) [٥].


يشير مصطلح الفن التوليدي بحد ذاته إلى كيفية صناعة الفنون، حيث يجب ان يكون النظام الذي يحوّل التطبيق الفني إلى عالم الفن التوليدي محدداً بدقة ويتضمن قدرة ذاتية على العمل باستقلالية من حيث المبدأ، ولكن ذلك لا يعنى أبداً استبعاد الفن المصنوع يدوياً، بل يقصد فقط أن التحكم في بعض جوانب إنتاج الفن تكون من خلال نظام خارجي، وأن هناك قرارات ضمنية لا تستجيب لحدس الفنان لحظة بلحظة.


وهكذا يعتمد الفن التوليدي على علم التعقيد لإعادة تأهيل الشكلية في الفن، وعرض الشكل كهدف، والجمال كنتيجة محايدة لمفهوم البناء الاجتماعي البشري، حيث يتضمن الفن التوليدي توظيف العشوائية (Randomization) كنظام في التركيب وتوظيف النظم الوراثية لتطوير نموذج.


ظهرت فى القرن الواحد والعشرين أعمال فنية تعتمد على الميديا الجديدة، ونماذج من أعمال الفن التوليدي ذات الأنظمه الحسابية. هنا نرى كيف ساعدت النظرية التعقيدية على تناول الفن التوليدى الذى يوظف الأنظمه، ودراسته التى تمثل شبكة من العناصر المتداخله والمستقلة عن أي تكنولوجيا ماضيه او مستقبلية.


يمثل الفن التوليدي وسيلة للإبداع الفنى وخلق فن جديد يخضع لقوانين ونظم - ليس فقط أسلوب فني ثابت [٦]. يختلف الأسلوب والوسيط اختلافاً كبيراً عند الفنانين. قد يوظفه البعض في مجال فن الجرافيك وآخرين يعتمدون على الفن التوليدي من أجل أنظمة التأليف الموسيقي.


يعني هذا لديه أكثر من شكل ولا يخضع لقوالب فنية معينة يتم حوسبتها فى الوقت الحقيقى، مما يمثل تحدياً كبيراً لقوة الحوسبة ذاتها، وتتألف عروض الديمو Demo Scenes فى معظمها من رسوم ثلاثية الأبعاد مع تأثيرات ثنائية الأبعاد وعرض الشاشة كاملة هذا بالإضافه إلى ثقافة الوسائط المتعددة: السمعية والبصرية والتصميم الصناعى والهندسة المعمارية وغيرها من التطبيقات الفنية والهندسية.


في الخاتمة، إليكم أربعة أنواع أساسية من الفن التوليدي، تشكل كل منها عالماً بحد ذاته:


المصدر: تصميم الباحثة.



[١] إدجار موران هو عالم اجتماع فرنسي وفيلسوف معروف دوليا بأعماله عن التعقيد والتفكير المعقد (pensée complexe)، ومساهماته العلمية في مجالات متنوعة مثل الدراسات الإعلامية والسياسة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المرئية والإيكولوجيا والتعليم وبيولوجيا النظم. تصل مؤلفاته لأكثر من 60 كتابً.


[٢] إدغار موران، الفكر والمستقبل مدخل إلى الفكر المركب، ترجمة أحمد القصوار ومنير الحجوجي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى، 2004، ص 6.


[٣] Philip Galanter, What is Complexism? Generative Art and the Cultures of Science and the Humanities, 11th Generative Art Conference, 2008.


[٤] Tom De Smedt, Modeling Creativity: Case studies in Python, Barbara and Tomasz Lem, 2013, p. 31.


[٥] B. Fry, Visualizing Data, O’Reilly, 2008.


[٦] Philip Galanter: What is generative art? Complexity theory as a context for art theory, the 6th International Conference on Generative Art, Milan, Italy, 2003, p.216–236.

bottom of page